معظم الآراء تعتبر أن ألعاب الفيديو هي التي تحتوي على رسوم متحركة معروضة على شاشة، و مربوطة بوسيلة للتحكم بها وفقا لشروط و قوانين معينة. لكني شخصيا اعتبر أن جزءاً كبيراً من الألعاب والتي لا تحتوي على رسوم لها بصمتها الواضحة على تطور الألعاب في وقتنا الحاضر و خاصة ألعاب الحاسوب ألا وهي ألعاب المغامرات النصية (Text based Adventures)، لذا سأسميها ألعاب الحاسوب الإلكترونية بدلاً من ألعاب الفيديو. إذا كان كذلك، فلا بد أن نناقش أوائل المحاولات في تطوير ألعاب ترفيهية إلكترونية.
فالبداية حقيقة مرتبطة ببدايات تطور الحاسب الآلي في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي. و تحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية في شركة وستينغهاوس (Westinghouse) وهي من أولى الشركات المصنعة للإلكترونيات في العالم. حيث قام المهندس و العالم الفيزيائي إدوارد كوندون بالتخطيط لماكينة إلكتروميكانيكية تدعى نيماترون (Nimatron) باستطاعتها لعب لعبة حسابية تدعى "نيم (Nim)" للترفيه عن رواد المعرض العالمي في مدينة نيويورك. وقام بتنفيذ وتصنيع الماكينة بمساعدة اثنين من مساعديه وتم عرضها لأول مرة في عام 1939.
لعبة نيم هي لعبة استراتيجية حسابية بسيطة القواعد، وهي تدور حول وجود عدد معين من العصي، و يتناوب لاعبان اثنان على سحب جزء صغير منها بحيث يكون الخاسر من يقوم بسحب آخر عصا. أهمية هذا الحدث في تاريخ الألعاب تكمن بالفكرة والتنفيذ من أجل دافع ترفيهي. فحسب المقابلات المنشورة مع كوندون كان يهدف أن يصنع آلة تقوم بالعد واتخاذ القرار حسب عدد العصي المتبقية، وأن من الممتع أن يقوم أشخاص بتحدي هذه الآلة واللعب معها. وبحسب ما قاله كوندون أيضاً، أن أكثر من 50,000 زائر قام بتجريب اللعبة وأن عدداً ضئيلاً منهم تمكن من التغلب على نيماترون. القليل معروف عن كيفية عمل الآلة من الداخل وعن كيفية تنفيذ الحسابات المنطقية وبالتالي كيفية "برمجتها"، لكن حساباتها مبنية على النظام الثنائي وعلى الدوائر الإلكتروميكانيكية المعتمدة على المرحلات الكهروميكانيكية.
بالرغم من نجاح نيماترون في الترفيه عن زوار المعرض وبالرغم أيضاً من قيام شركة وستينغهاوس من تسجيل براءة اختراع في مجال الحسابات الرقمية الإلكتروميكانيكية، إلا أن كوندون يعتبر نيماترون أكبر فشل له في حياته المهنية! وذلك لعدم تمكنه من تقدير وفهم حجم الوقع الكبير لهذا الإختراع وغيره على الحياة البشرية. بالنسبة له كانت الفكرة عبارة عن مزحة وتسلية، وأن الدوائر والحسابات المنطقية جميلة لكنها ليست عملية في حل المشاكل في أي من الصناعات في ذلك الوقت. لكن كل ذلك تغير بعد الحرب العالمية الثانية والدور التي لعبته الحواسيب العملاقة في الصناعات الحربية وخاصة في حسابات الاحتمالات وفك التشفير.
هذا ما حصل في عامي 1939 و 1940. ولكن لنتقدم إلى الأمام في التاريخ يجب أن نرجع قليلاً للوراء إلى عام 1936 لمناقشة ما قام به الأب الروحي لعلم الحاسوب ألان تورنغ حيث قام بطرح بحثه الشهير "عن حساب الأ��قام، وتطبيقها في مشكلة اتخاذ القرار ( On Computable Numbers, with an Application to the Entscheidung Problem)"، ويعتبر حجر الأساس الذي بني عليه علم الحاسوب. فالبحث قام بوصف آلة افتراضية تقوم بقراءة تعليمات من شريط وتقوم تنفيذها واحدة تلو الأخرى لحل أي خوارزمية يمكن التعبير عنها بتلك التعليمات. وقد سميت هذه الآلة بآلة تورنغ وأساس تصميم جميع أنواع المعالجات الرقمية. لكن بالنسبة للعلماء في أواخر الثلاثينيات أمثال كوندون، فهي تمثل نموذج ودليل على أنه بالإمكان تصميم آلات ذكية تستطيع حساب الأرقام بشكل أوتوماتيكي والتوصل إلى نتائج واتخاذ القرارات بمفردها. وهذا ما أدى إلى تطور علم الحاسوب بسرعة هائلة بعد ذلك.
ومن بدايات الألعاب في نفس الفترة أيضاً، قام المهندس ريموند ريدهيفر (Raymon Redheffer) من جامعة MIT في عام 1941، بتصميم وبناء كمبيوتر متخصص بلعب لعبة نيم أيضا. فيبدو أن القواعد البسيطة للعبة هي التي كانت تدفع العلماء في ذلك الوقت للتركيز على تصميم وتنفيذ الأساسيات أولاً وتجربتها على حل مشاكل رياضية بسيطة في إطار ترفيهي وغير مسبوق في عالم التكنولوجيا آنذاك.
رابط فيديو
هكذا بدأت قصة تطوير الألعاب حسب الوثائق المتوفرة حالياً. سنتكلم في المرة القادمة أكثر عن أوائل الألعاب وخاصة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتطور الكبير في مجال الحاسوب في عقدي الأربعينيات والخمسينات.
يتبع…
CC BY-SA 4.0 - النسخة 1.2
محمد رسمي خشاشنة @rasmi_mohammad
تم نشر النسخة 1.0 من هذا المقال في العدد الثاني من مجلة gamedev.jo الرقمية.