الألعاب الإلكترونية بدأت منذ أكثر من 70 عاماً، البداية كانت في 1939 مع ماكينة إلكتروميكانيكية تدعى نيماترون (Nimatron) للترفيه عن زوار المعرض العالمي في مدينة نيويورك. و بالرغم من قيام مخترعيها بتسجيل براءة اختراع لها. إلا أنهم لم يقوموا بتطبيقها بشكل أوسع في السنين التي تلت حتى باتت منسية تماماً من التاريخ المدون للألعاب الإلكترونية. تبعها أيضاً في عام 1941 جهاز كمبيوتر متخصص بلعب لعبة نيم صمم في جامعة MIT. وكسابقها، لم يعرض الجهاز أو يطبق بشكل واسع وبالتالي لم تؤثر هذه الألعاب بشكل مباشر على تاريخ الألعاب الإلكترونية، لكنها كانت البداية فقط.
هذه المحاولات وغيرها كانت من أوائل التطبيقات على نظرية الحوسبة، والتي قام بتطويرها علماء عدة في عقد الثلاثينات والتي تدرس كيفية تطبيق حلول للخوارزميات والمسائل الحسابية والتعبير عنها بشكل سلسلة من التعليمات المنطقية.
استمرت العملية أيضا في عقد الأربعينات وخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث بدأت الشركات المطورة للتكنولوجيا بالاتجاه لصناعة وتطوير منتجات للسوق الاستهلاكية في شتى المجالات كالاتصالات والجامعات والاستخدامات المنزلية.
إحدى هذه الشركات هي ديمونت، وهي من أولى الشركات المتخصصة في تطوير الشاشات والكاميرات في الولايات المتحدة، حيث قام مدير قسم الأبحاث في الشركة الفيزيائي توماس غولدسميث (Thomas Goldsmith) ومساعده الفيزيائي إستل مان (Estle Mann) في عام 1946 بوضع فكرة وتطبيقها على نموذج أولي لجهاز إلكتروني ترفيهي تفاعلي يحاكي إطلاق قذيفة لضرب أهداف على شاشة تلفاز "سي آر تي" (CRT)، وقد أطلقا عليه اسم "جهاز السي آرتي الترفيهي" (The CRT Amusement device) بحيث يستطيع اللاعب التحكم بتردد إطلاق القذائف ومسارها وحتى زمن انفجارها من خلال أزرار ومقابض للتحكم. الشاشة مبنية على تكنولوجيا الشاشات المستخدمة في عرض ذبذبات أجهزة الرادار "الأوسيلوسكوب" (Oscilloscope) بحيث يتم رسم القذيفة على شكل نقطة متوهجة تجري على الشاشة بمسار معين ثم يتم تشويش وتقليل توهج النقطة بعد مرور زمن معين لمحاكاة انفجار القذيفة. الأهداف تم التعبير عنها برسومات ثابتة على ورق شفاف (Overlay) مثبت على الشاشة، بحيث يحاول اللاعبون إصابتها من خلال ضبط زمن انفجار القذيفة في لحظة وصولها لإحدى الأهداف.
بالرغم من أن الفكرة بسيطة، وبالرغم من قيام فريق التطوير بتسجيل براءة اختراع بها إلا أن تطبيقها بشكل ملائم للسوق لم يكن بالأمر المتاح آنذاك ولم يتم عرضها بشكل واسع. لكن تبقى الفكرة غير مسبوقة بحيث أنها تعتمد على الرسم على شاشة إلكترونية للتعبير عنها، وأنها تعتمد على أداة للتحكم بها والتغيير في مجريات اللعب وكيفيتها.
الخطوة التالية أتت هذه المرة عن طريق الرياضي والفيزيائي جوزيف كيتس (Josef Kates) وكمبيوتر "بيرتي العقل" (Bertie The Brain) وهو جهاز حاسوب متخصص بلعب لعبة XO، متمثلة بشاشة ليد ضخمة تحوي مصفوفة مكونة من ثلاثة أعمدة وثلاث صفوف للتعبير عن مجريات اللعب. يقوم اللاعبون بالضغط على شاشة مماثلة أصغر حجماً مع بعض المفاتيح لاختيار مكان وضع الرموز X و O.
بيرتي عر�� لأول مرة في المعرض الوطني الكندي في عام 1950 ولمدة أسبوعين، حيث لاقى إقبالاً شديداً من الحضور على تحديه والتغلب عليه. لكن مصيره كان كسائر المحاولات التي سبقته، تم تفكيكه ونسيانه للأبد. إلا أنه ما يجدر بنا ذكره أن بيرتي تعتبر من أولى ألعاب الكمبيوتر والتي تستخدم شاشة لعرض مجريات اللعبة، وتحت إحدى التصنيفات يعتبر جهاز بيرتي العقل هو أول لعبة فيديو في التاريخ. لكننا سنتابع لنرى ذلك.
وقفتنا التالية ستكون في بريطانيا، وبالتحديد في عام 1951 في معرض العلوم والذي كان يمثل إحدى فعاليات مهرجان بريطانيا الوطني آنذاك. فقد كان الهدف من المهرجان رفع المعنويات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبالتالي قامت شركة فيرانتي وهي من أقدم الشركات المصنعة للمولدات الكهربائية وأول شركة تقوم بتطوير وتسويق حاسوب ذو مهام متعددة في العالم، بتطوير جهاز حاسوب متخصص بلعب لعبة نيم مجدداً، وقد أطلق عليه اسم نيمرود (Nimrod). صممه ونفذه عالم الحاسوب جون بينيت (John Bennett)، والذي استوحاه من سابقه جهاز النيماترون من عام 1939.
نيمرود يعتبر أول حاسوب رقمي بني خصيصاً لتطبيق لعبة ترفيهية. وبالطبع كان قد أبهر نيمرود رواد المعرض والذين معظمهم من عامة الناس ممن لم يروا أو يسمعوا بجهاز الحاسوب من قبل، ناهيك عن معرفتهم بمفاهيم وكيفية برمجتها. لم تنته من أولى المحاولات في تاريخ الألعاب بعد، فقد تلى نيمرود لعبة OXO، وهي لعبة مبرمجة على جهاز الحاسوب إدساك (EDSAC) في جامعة كامبريدج، والذي يعتبر أحد أول أجهزة الحاسوب القابلة لتنفيذ برامج مخزنة في الذاكرة (Memory). قام ببرمجتها أليكساندر دوغلاس (Alexander Douglas) كجزء من بحثه لرسالة الدكتوراه في علم الحاسوب لدراسة كيفية تعامل الإنسان مع الحاسوب. وبالتالي اختار تطوير لعبة تفاعلية ترفيهية!
لعبة OXO هي لعبة XO يقوم اللاعب بتحدي الحاسوب فيها عن طريق اختيار مكان وضع الرمز المراد من خلال دوران لوحة أرقام مشابهة للوحة أرقام الهاتف الكلاسيكي، ومن ثم يقوم البرنامج بتنفيذ الحركة المقابلة وإظهار النتيجة على شاشة سي آرتي صغيرة للتعبير عن مجريات اللعب. الجدير بالذكر أن هذه اللعبة تعتبر من أولى الأمثلة على تطبيقات الذكاء الصناعي في علم الحاسوب. لكن كون البرنامج كان مبنياً خصيصا لحاسوب الإدساك، وكونه غير متاح لعامة الناس، لم يتأثر بها تاريخ صناعة الألعاب الإلكترونية بشكل مباشر.
حسناً، نحن الآن في عام 1958 وقد آن الأوان للتغيير بشكل جذري في تاريخ صناعة الألعاب الإلكترونية. ويليام هايغينبوثام (William Higinbotham) كان فيزيائياً لامعاً في فترة ما بعد الحرب. إذ كان وقتها يعمل في مختبر بروكهافين الوطني للأبحاث في العلوم الفيزيائية والطاقة، وكان المختبر ينظم معرضاً سنوياً في موقعه للترويج لأعمال المختبر وخاصة في استخدام الطاقة النووية في الحياة المدنية. وقتها قرر هايغنبوثام العمل على تجربة طريفة للترفيه وجذب الناس للمعرض، خاصة بعد علمه بأن أحد الكمبيوترات التناظرية (Analog) الدونر موديل 30 (Donner Model 30) الموجودة في المختبر، يستطيع حساب محاكاة لمسارات الأجسام في الهواء ومدى تأثير الرياح عليها.
التجربة كانت عبارة عن محاكاة للعبة تنس تفاعلية أطلق عليها اسم "تينيس لشخصين" (Tennis for Two) يتم رسمها على شاشة أوسيلوسكوب، بحيث يظهر الملعب كخط أفقي يمتد في منتصف الشاشة، وتظهر الكرة وهي تجري من طرف الشاشة إلى الطرف الآخر، وتقفز من فوق خط عامودي قصير في المنتصف والذي بدوره يعبر عن الشبكة، وأيضاً ترتد بعد اصطدامها بأرضية الملعب. يستطيع اللاعب التحكم بزمن ضرب الكرة وبالتالي ارتدادها للجهة الأخرى بالضغط على زر أداة تحكم (Controller) صنعت خصيصاً للعبة. يستطيع اللاعب أيضاً التحكم بزاوية ضرب الكرة من خلال زر الدوران الموجود على أداة التحكم كذلك.
المئات من الناس استمتعوا باللعبة في أيام المعرض، وقد عادت اللعبة أيضاً في العام التالي، لكنها فككت وأعيد استخدام أجهزتها بعد ذلك لتكون في عداد المنسيين في تاريخ صناعة الألعاب، حتى إعادة انتشارها في الثمانينات. ما يميز هذا الإنجاز عن جميع سابقيه أن اللعبة تحوي جميع مقومات الألعاب الإلكترونية الموجودة حالياً، فهي تحتوي على رسوم متحركة على شاشة، وأدوات للتحكم، ومحاكاة للفيزياء وهي لعبة لاعبين اثنين. كل ذلك صمم ونفذ في غضون أيام على جهاز كمبيوتر متخصص بالأبحاث العلمية.
كم منا يستطيع فعل ذلك اليوم من دون استخدام محركات الألعاب الحديثة أمثال يونيتي وغيرها والخروج بنتيجة مماثلة؟
أترككم مع هذا التساؤل ونستكمل المشوار في المرة القادمة. فهذه ليست إلا البداية وما يتبعه من تطورات في تاريخ الألعاب الإلكترونية شيقاً للغاية ومليء بالأحداث والحقائق المثيرة
يتبع…
CC BY-SA 4.0 - النسخة 1.2
محمد رسمي خشاشنة @rasmi_mohammad
تم نشر النسخة 1.0 من هذا المقال في العدد الثاني من مجلة gamedev.jo الرقمية.