المقالات العلمية

مقالات الشبكة العربية لمطوري الألعاب

وادي النفور وصناعة الألعاب

هذه المقالة محمية ضمن الحقوق الفكرية لشركة In|Framez Technology Corp.، ومرخصة للعرض فقط ضمن الشبكة العربية لمطوري الألعاب مع الموافقة الصريحة من المؤلف وشركة In|Framez Technology Corp.. لا يسمح بإعادة نشر هذه المقالة أو تعديلها دون الرجوع للمؤلف. يمنع النسخ والاقتباس دون ذكر المصدر والموافقة من المؤلف.

مقدمة

عنوان قد يبدو غريب بعض الشيء، قد يوحي للبعض بأمكنة مختلفة، أحدهم كان له أقرب لوادي عبقر الذي كانت العرب تتخذه مكاناً لاستدعاء الجن والشياطين، آخر حاول ربطه بصناعة الألعاب والبرمجيات بدل من الجن والشياطين فأخذه عقله لوادي السيلكون الذي تكتظ فيه شياطين البرمجيات في سان فرانسيسكو بدل من شياطين وادي عبقر في شبه جزيرة العرب.

ليس كل هذا من حقيقة المقال، فما نبحثه ليس مكان جغرافي أو وادي بين الجبال، إنما هو جزء من منحني بياني لدراسة ما يكون بين مظهر الشخصيات في الألعاب وردود الأفعال.

إذن لنبدأ مقالنا بالتعرف على هذا المنحني وعناصره، بعدها يمكننا دراسة تضاريسه ووديانه وعلاقتها بصناعة الألعاب.

منحني الاستلطاف ووادي النفور

بدأت قصة هذا المنحني مع ماساهيرو موري (Masahiro Mori) في بداية السبعينيات من القرن الماضي عندما كان يمارس هواياته مع الروبوتات كأي ياباني مخلص لهذه العادة. لاحظ الأخ ماساهيرو (سنختصر اسمه لماس للسهولة) أن هناك علاقة ما بين درجة تقبل واستلطاف الاشخاص للروبوت وبين مظهره، تحديداً بين درجة واقعية الروبوت أو درجة اقترابه من مظهر البشر.

ماساهيرو مع قرينه الآلي

حاول دراسة هذه العلاقة بشكل أكثر علمية فقام بإنشاء منحني بياني يربط بين هذين العاملين، فكان المحور الأفقي يمثل مستوى التقبل والاستلطاف عند البشر بينما المنحني العامودي يمثل درجة محاكاة الروبوت للبشر.

بدأت النتائج الظاهرة في هذا المنحني بريئة في بداية الأمر، فبناءً على ما لاحظه من ردود أفعال شريحة كبيرة من الأشخاص ومن مختلف الأعمار كان توجه المنحني يتزايد مع تزايد درجة واقعية الروبوت، أي مع ازدياد تطور مظهر الروبوت ليحاكي مظهر البشر زادت درجة تقبل الانسان له.

لكن المفاجأة الحقيقة التي وقف عندها ماس كانت عندما لاحظ أن ردود أفعال الأشخاص اختلفت كلياً عند زيادة واقعية الروبوت لدرجة أكبر من عتبة معينة، حيث بدأ الكثير منهم بالنفور واستهجان الروبوت لدرجة وصلت عند البعض للرعب والبكاء عند صغار السن!

بالطبع كان لهذه الحقيقة الأثر الكبير على المنحني الذي وضعه ماس، حيث تسببت بخسف مفاجئ في المنحني بعد وصوله لعتبة الواقعية الزائدة، فأصبح يتزايد من البداية بشكل مستقر ثم فجأة يهبط كما يظهر في الشكل التالي:

ولكن هذه ليست النهاية، ماذا لو زادت درجة الواقعية أكثر من ذلك؟ الإجابة في الحقيقة هنا هي إجابة نظرية قد لا تكون قابلة للقياس في وقتنا الحالي، لأن زيادة واقعية الروبوت لدرجة أكبر من العتبة السابقة تعني أننا وصلنا لمحاكاة تامة للإنسان بحيث لا يمكننا التفريق بينه وبين الإنسان الطبيعي. في هذه الحالة النظرية تعود درجة الاستلطاف والقبول بالارتفاع لأن الانسان بشكل عام مخلوق جميل استشهد بكمال خلقة رب العالمين في قوله:

خلقنا الانسان في أحسن تقويم

بالنظر للشكل العام للمنحني النهائي نلاحظ كيف أن الهبوط والتصاعد المفاجئين في نهاية المنحني يشكلان ما يشبه الوادي. هذا الوادي هو ما يسمى بوادي النفور (Uncanny Valley).لإغناء المقالة حاولت البحث وتحليل بعض الأمثلة لروبوتات تقع ضمن هذا الوادي، ماوجدته كان بالفعل منفراً وفي بعض الأحيان مرعباً، لننظر إلى الروبوت التالي على سبيل المثال:

هذا الروبوت يمثل فتاة تدعى إيفا، حاول صانعها تحسينها بإضافة بعض الشعر الطويل كما في الفيديو التالي ولكن للأسف كانت نتيجة التحسين أسوء من ماهو متوقع:

مثال أخر مهم لروبوت يقع ضمن هذا الوادي هو الروبوت العسكري الشهير بيج دوج (Big Dog):

ستلاحظ في حالة هذا الروبوت رغم أن شكله لا يحاكي الانسان إلا أنه منفر وغيرمريح على الإطلاق، السبب في ذلك هذه المرة هو أن تصرفاته وردود أفعاله المشابه للمخلوقات الحية هي التي ولدت هذا الشعور بالغرابة وعدم الارتياح له.

لذلك بناءً على المثال الأخير يمكننا تعميم المحور الأفقي للمنحني ليشمل التصرف والحركات وليس فقط للمظهر الخارجي للروبوت.

بعد أن تعرفنا على ماهو وادي النفور ورأينا بعض الأمثلة له حان الوقت للعودة لصناعة الألعاب والتعرف على فائدته في هذا المجال.

صناعة الألعاب في وادي النفور

المفهوم الأساسي لوادي النفور يمكن تعميمه لحالات أخرى غير الروبوتات بحيث يمكن تطبيقه في معظم المجالات التي تتضمن محاكاة للإنسان مثل صناعة الألعاب والسينما وغيرها. في صناعة الأفلام هناك الكثير من من عرف كيف يستغل هذا الوادي لصالحه لينتج أفلام رعب تعتمد على نفور المشاهد من مظهر أو تصرفات بعض الشخصيات، كمثال على هذه الأفلام لدينا سلسة أفلام لعب أطفال (Childs Play) الذي يعرض دمية أطفال أقل ما يمكن وصفها بأنها قميئة، ومن وجهة نظري أعتقد أنها تقع في قاع وادي النفور.

بالطبع لا يمكننا الحديث عن السينما ووادي النفور دون ذكر رواية ماري شلي: د. فرانكستين (Frankenstein) والأفلام التي تم انتاجها بناءً على هذه الرواية كأحد أفضل الأمثلة التي تلخص فكرة هذا الوادي. دون الخوض في تفاصيل الرواية، تدور القصة بشكل مختصر عن طبيب مهووس يدعى د. فكتور فرانكنستين حاول خلق إنسان كامل من خلال البحث عن الأعضاء الأفضل من جثث مختلفة وزرعها ليحصل على الإنسان الكامل من وجهة نظره. بالطبع النتيجة التي حصل عليها في النهاية هي مسخ مرعب بدل من إنسان كامل أو أفضل.

في الحقيقة الرواية أعمق و أكثر تشعباً من الفكرة التي ذكرتها وتحمل الكثير من الجوانب الإنسانية، ولكن ضمن سياق المقالة اكتفيت بذكر التفصيلة التي تهمنا منها. لذلك لمن لم يقرأها مازلت الفرصة أمامه متاحة فالرواية لم تحترق بعد.

بعض الأفلام الأخرى سقطت في هذا الوادي بدون قصد فكانت النتيجة مأساوية، كمثال عن هذه الأفلام فلم فاينال فانتازي (Final Fantasy The Spirit Within):

لاحظ كيف شخصيات الفلم وخصوصاً البطلة د. آكي (Dr. Aki) رغم واقعيتها والاهتمام بأدق تفاصيلها إلا أنها غير أليفة ومحبوبة مثل شخصيات الأفلام الأخرى مثل فلم الخارقون لديزني (The Incredible):

بالنسبة لصناعة الألعاب الوضع أكثر تعقيداً، لأن الأمر ليس مقصوراً فقط على مظهر وحركة الشخصيات كما هو الحال في الأفلام، وإنما هناك العديد من العوامل الأخرى التي تشارك في تقبل اللاعب للشخصية. أحد هذه العوامل الهامة هو تصرف الشخصية وتفاعلها بناءً على تحكمات اللاعب. هذا العامل في الحقيقة يعتمد بشكل أساسي على وحدات المنطق والذكاء الصناعي التي يطورها المبرمجون والتي للأسف ورغم تطور هذا المجال لعدة عقود مازالت تطبيقات الذكاء الصناعي في معظم الألعاب بدائية وتقتصر على حل عدد من المسائل الأساسية مثل البحث عن مسار وغيرها.

بالطبع هناك بعض المحاولات الجادة لتحسين والاهتمام بهذا الجانب في الألعاب، ولكنها تبقى حالات استثنائية لا يمكن تعميمها. هذا الرابط يسرد الألعاب العشر الأفضل في جانب الذكاء الصناعي مع ذكر أهم مميزاتها.

الآن وبعد كل هذا الحديث ماهي النتيجة المستخلصة من هذه المقالة بالنسبة لصناعة الألعاب؟

كقارئ يعمل بصناعة الألعاب أو مهتم بها النتيجة الأهم التي يمكن استخلاصها من هذه المقالة هو تحديد أولويات تصميم الشخصيات. مثلاً هل من الأهم الاعتناء بمظهر الشخصية ليكون أقرب ما يكون للواقع أم التركيز على تصرف الشخصية هو الأهم؟

بناءً على هذه المقالة، الأولوية هنا للتركيز على تصرفات الشخصية بدل من محاولة جعل مظهرها واقعي. النظرية التي ترجح هذا الترتيب تعتمد على طريقة تقبل اللاعب لها، فمن الناحية النفسية، في حال تصميم شخصية ما وإضافة بعض الخصائص البشرية لها بشكل مدروس يحافظ على تقبل اللاعب لها كشخصية افتراضية، ترتفع درجة تقبلها عند اللاعب بسبب تميز هذه الخصائص المضافة وظهورها مقارنة بخصائصها الافتراضية. أما في حال المبالغة بإضافة الخصائص البشرية دون الوصول لدرجة المحاكاة التامة للبشر، عندها ستختلف نظرة اللاعب عن الشخصية، فبدل من النظر لها كشخصية افتراضية تحمل الكثير من الخصائص البشرية، سينظر لها كشخصية بشرية ولكنها مشوهة ينقصها مجموعة من الخصائص لتكون بشر مثله. هذا الوضع يولد عند اللاعب شعور بالغرابة والكراهية للشخصية ويضع هذا التصميم في وادي النفور مباشرة.

لاصة القول، إن استثمار الجهد والوقت والمال في تحسين تصرف الشخصيات والتركيز على ذكاءها الصناعي لإضافة بعد روحاني أو إنساني لها قد يكون أفضل من محاولة تصميم شخصية إنسانية وواقعية من حيث المظهر ولكن دون روح.

هذا وفي النهاية تبقى وجهة النظر السابقة مبنية على نتائج المنحني المدروس، لذلك قد لا تكون صحيحة في المستقبل القريب عندما تمكننا التقنيات من توليد شخصيات واقعية تامة من حيث المظهر والتصرفات بحيث تتجاوز وادي النفور لما بعده.

أترككم في النهاية مع هذاالمقطع الذي يلخص الكثير من الأمثلة مع ربطها مع منحني الاستلطاف بشكل مباشر:

أضف تعليقاً

Loading