مقدمة
أعتقد أن الوقت قد حان كي نخطو خطوة متقدمة نحو صناعة البرمجيات التعليمية الذكية للأطفال، بحيث تكون قاعدة انطلاق نحو مجتمع متطور وقادر على الإبداع، ويمتلك الآليات الصناعية التي ستمكنه من القفز باحتراف. وهذا يتوقف على الطريقة التي سنوجه الطفل من خلالها ليكون صناعياً مبدعاً، وعالماً حقيقياً، يمتلك القدرة الفعلية على العمل والنجاح.
إن الفكرة بحد ذاتها ملحة ومطلوبة جداً منذ عدة أعوام سابقة وحتى اليوم. ذلك نظراً لنتائج منظومات التعليم التقليدية في منطقتنا، والتي أنتجت جيلاً يحتاج لإعادة التأهيل والتدريب قبل أن يتمكن من العمل. هذا الجيل الذي لم ينجح ربما لظروف كلنا نعرفها. فالمجتمع في النهاية بحاجة إلى اليد العاملة التي تتقن عملها وتبدع فيه، وتستطيع أن تقود اقتصادها باستقلالية مع إمكانية تصدير الإنتاج المحلي ليكون رائدا في أسواق العالم. وهذا حلم لا يمكن تحقيقه في الوقت الحالي إلا بتغيير منظومة التعليم بأكملها واستبدالها بأنظمة مدروسة ذكية، قادرة على خلق المجال الإبداعي للطفل وتشجيعه على استثمارها في وقت مبكر، بحيث يتذوق طعم النجاح ليعلم أهميته، ويصبح جزءاً رئيسياً من مسيرة حياته لا يستغني عنه، ويعطيه الحافز والطاقة القادرة على جعله مؤهلاً لتحمل مسؤولية عمله أيا كان. فيبذل لعمله الوقت والجهد مع استمتاعه به، لأنه جزء من منظومة النجاح التي اعتاد عليها وأصبحت جزءاً من كيانه الشخصي لا يتخلى عنها.
الفكرة العامة للمنظومة الحديثة للتعليم هي تعلّم عن طريق اللعب
وهي تشكل إحدى أهم أهداف العالم المتقدم لإنتاج ألعاب قادرة على خلق بيئة افتراضية قريبة من الواقع، تمكن الطلاب من التأهيل والتدريب في مختلف المجالات التقنية الحديثة. وكأمثلة على هذا النوع من الألعاب:
-
لعبة قيادة السيارات الافتراضية.
-
لعبة تعلم قيادة مكوك الفضاء افتراضياً.
-
لعبة تعلم قيادة الطائرات الحربية افتراضياً.
كلها ألعاب تدريبية وتعليمية غالباً للكبار وللذين يعملون في الحقل العسكري. طبعاً توجد ألعاب أخرى مختلفة كلعبة SimCity التي تمكن المهندسين من إنشاء بنية تحتية لجسور ومدن وأبنية ضخمة، تحاول بشدة أن تساعد المهندس في دراسة وضع المنشأة التي سيقوم بتنفيذها لاحقاً على أرض الواقع.
ولكن... لماذا لا يتم إعداد مناهج افتراضية للأطفال؟! لماذا لا تكون هذه المناهج والأبحاث عربية؟! لماذا لا يستطيع طلابنا وأطفالنا أن يستفيدوا من تقنية حديثة (ذات كلفة منخفضة نسبياً بالنسبة للمستهلك) تؤمن لهم منهاجاً شيقاً ممتعاً يطرح بشكل مدروس ليلائم الجميع (الطفل والمدرس والمدرسة)؟
إن هذا ليس بالمطلب الصعب أو المستحيل في ظل الإمكانيات التكنولوجية الحالية ومع وجود الكوادر المناسبة للعمل. بل ولدينا العديد من الأفكار الإبداعية لابتكار منهاج جديد يقدم المعلومة للطفل بطريقة تفاعلية تربطه مع العالم الواقعي ليتعلم ويطبق ويفهم.
وعلى الرغم من حداثة هذا الأسلوب في التعليم واعتماده على دراسات ونظريات حديثة في تقنيات التعليم ومنهجياته، إلا أنه حقق نجاحاً باهراً في الدول المتقدمة، وذلك بعد دراسات عديدة لاستخدام الوسائط المتعددة في التعليم مع وضع النظريات الحديثة في التعلم وتطبيقها في المنهاج متعدد الوسائط.
يبين المخطط التالي أوجه الاختلاف بين الأفكار القديمة في تعلم العلوم (التي تركز على المصطلحات وعلى قراءة الكتب العلمية على أمل أن يحدث التعلم والفهم)، والكيفية التي يحدث فيها التعلم على النحو ال��قوى...
هذه النظرية قام بوضعها فريق من المدربين والقادة التربويون والمعلمين العاملين على مشروع تطوير مناهج العلوم في منطقة وسط كاليفورنيا التعليمية MCSIP.
أعتقد أن إحدى أخطائنا الشائعة هي أننا نرمي جانباً كل الدراسات الحديثة في تطوير المناهج والتعليم (والتي تستغرق سنوات من البحث والتمويل وعدداً كبيراً من المختصين والتربويين) وكل المقاييس التي تتوافق مع أبحاث الدماغ الحديثة. والسبب؟ فقط لأنها غربية. بل ونقوم نحن بوضع منهاج جديد غير مدروس وغير متوافق مع المقاييس المتدرجة للعلوم، وبأدوات تقليدية وبرسومات ذات ألوان باهتة بإشراف غير مدروس، ومطبوعات زهيدة غير مدعمة بأدوات، وغير مرتبطة بالتطبيق العملي بأسلوب واضح. طبعاً لأننا هكذا نطور أنفسنا بأنفسنا بحسب اعتقادنا! وتبدأ مأساة المراحل الثانوية والجامعية من جديد ليتخرج أجيال أخرى تدور معنا في نفس الدائرة.
لذلك، إن كانت الدول العربية حالياً كأنظمة وحكومات تسعى للتطوير والحداثة خاصة في منهاج التعليم، فلم لا نقدم لهم المادة المناسبة وبالطريقة الصحيحة الملائمة لروح العصر؟
والتي يمكننا من خلالها أن نستفيد من أدوات العصر للاستفادة القصوى والمثلى؟
في إحدى المؤتمرات الحديثة لتقنيات التعليم في العالم العربي، تم إجراء عدة محاضرات "نظرية" عن أهمية إدراج المناهج التعليمية على أقراص تعليمية وعلى شبكة الإنترنت، إضافة إلى أن بعض الدول العربية (كدول الخليج) بدأت بالفعل بإنتاج مناهجها كأقراص ليزرية واعتمدت ذلك رسمياً.
ولكن (ومع الأسف) فإن المؤسسات العاملة في قطاع التعليم الرسمية تعاني من ضعف كوادرها بالإضافة إلى عدم فهمهم معنى إنتاج أقراص تعليمية، فبدؤوا بتحويل الكتب المقروءة إلى ملفات PDF وملفات إنترنت وتقديمها كما هي للطلاب دون استخدام أية تقنية تفاعلية أو حتى إضافة ملفات فيديو إلى المنهاج (على أقل تقدير) وأنا لست مستغربة من النتيجة، لأنها صادرة عن منظومة غير مدروسة أصلاً ولا تفكر بالاتجاه الصحيح للتطوير. لذلك أصبحنا نجد الطلاب غير مهتمين بتاتاً بتلك الأقراص التي تطلب منهم أن يقرؤوا الكتاب نفسه على الشاشة! وهذا أمر مخجل وغير مقبول على المستوى العالمي.
طبعاً قامت بعض الشركات العربية بمحاولات لإنتاج مناهج تعليمية تفاعلية وبمجهود تشكر عليه.. إلا أنها ما زالت تعد ضعيفة نسبياً، ولا تعطي منهاجاً عاماً يناسب جميع الدول العربية، وليست مستندة إلى أسلوب تطوير العلوم الذي ذكرته سابقاً.
فيما يلي أمثلة عن بعض المناهج التي يمكن تقدبمها بطريقة لعبة تفاعلية (مع ملاحظة أن العنوان يجب أن يدرس كذلك ليكون أكثر تشويقاً):
أنا والفيزياء
لعبة ممتعة ومفيدة تتطلب من الطفل أو الطالب أن يستخدم القوانين الفيزيائية ليتم مراحل اللعبة، والتي تكون مدعمة بالشرح المناسب بالصوت والصورة والحركة، لتظهر للطالب تطبيقات قوانين الفيزياء في الحياة العملية.
مثلاً، يمكننا أن نطلب من اللاعب أن يستخدم سيارته ليصل إلى المدرسة التي تبعد كذا في زمن كذا، وعليه أن يقوم بحساب السرعة (يضعها في مربع نصي مثلاُ) ليصل في الزمن المطلوب وإلا فاته أمر ما أو خسر اللعبة، وهكذا...
المخترع الصغير
لعبة تتطلب من الطفل أن يتمكن من صنع أشياء مفيدة وموجودة في الواقع بواسطة أدوات بسيطة ومتوفرة. تقدم المعلومة بالصوت والصورة وبعدها يطلب من الطفل تطبيقها بنفسه (في المدرسة أو المنزل) بحيث يجد الأدوات التي ستساعده على إتمام تصنيع القطعة المطلوبة في حقيبة خاصة من الأدوات المرفقة المصنعة كتدعيم للعملية التعليمية.
أخيرا أحب أن أضيف بأن مستقبل الجيل القادم رهن أيدينا، فنحن (وبالتقنيات الموجودة حالياً) قادرين على قلب معادلات كثيرة لمستقبل التعليم في العالم العربي في حال قمنا بوضع خطة عمل مدروسة،تضم الكوادر المؤهلة لصنع جيل قادر على البناء والإبداع وفق روح العصر ومتطلبات السوق، بدلاً من تخريج جيل لا يستطيع الاستفادة من عشر معلوماته التي درسها خلال فترة تعليمية لكونها نظرية ولم تربط بالواقع بشكل واضح وحقيقي.
مع أمنياتي بالتوفيق.