كلا هذه ليست مقدمة أخرى لهذه المدونة كما يوحي عنوانها. كما أنها ليست حتى من كتابتي. لكني في النهاية أنا المعني بها. فهذه المقدمة في الحقيقة كانت هي المقدمة التي لابد منها لمشروع تخرجي من كلية الهندسة المدنية – قسم الإدارة الهندسية والإنشاء في العام الدراسي 2003-2004 في إحدى الجامعات العربية العريقة. كانت هذه المقدمة هي البديل لعبارات التبجيل والتفخيم والتعظيم والـ... التي تشكل صلب المقدمات في مشاريع التخرج عادة. قد يكون هذا البديل غير موفق في ذلك الوقت ولكنه بالتأكيد متميز ويستحق أن أفرد له هذه التدوينة.
المقدمة التي ستقرؤونها اقتبستها كما هي بعد أخذ الموافقة من كاتبها طبعاً. لا أفضل ذكر كاتب المقالة الأصلي، من مطلق قول المصطفى عليه السلام “إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا”، لأن الكثير ممّن قرؤوا هذه المقدمة اعتبروها خطيئة لا تغتفر، لا تسألوني لماذا! لأني في الحقيقة لا أدري ما هو الشيء البشع الذي وجدوه فيها. أتمنى أن يساعدني أحد منكم في ذلك.
لا أريد أن أطيل في هذه المقدمة للمقدمة التي لابد منها، سأترككم معها من هنا على أمل أن أعود لكم في النهاية. إلى لقاء قريب إذن...
غريب أن يقوم شخص ثالث بكتابة مقدمة لمشروع تخرج تَشَارك (أو على وجه الدقة، تخاصم) فيه طالبا هندسة مدنية. خاصة إذا عرفنا أن هذا الشخص الثالث لم يكن له ذنب سوى أنه آوى هذين الطالبين في منزله ضمن فترة عملهما بالمشروع.
لقد فضَّلتُ أن أكتب أنا هذه المقدمة حقناً للشتائم التي كانت ستنطلق من لسان أحدهما على الآخر، عندما يقوم ذاك الآخر بكتابة المقدمة التي تمدحه، وتظهر صديقه على أن دوره اقتصر على إحضار إبريق الشاي فقط... بينما في الحقيقة، كنت أنا من استلم هذا الدور الحيوي...
تسألني ماهو المشروع؟ أذكر أنني سمعتهم يتحدثون عن جسر ضمن عقدة طرقية في المملكة العربية السعودية (وكأن هذا ما كان ينقصهم). يربط الجسر الطريق السريع بين مدينتي حائل والقصيم. عندها أذكر أن أحدهم نظر إلى الآخر بنظرة زجاجية، وسأله: وما دورنا في هذا كله؟ فأجابه زميله: هيء هيء، سنقوم بوضع دراسة تنظيمية وتكنولوجية للجسر... وهنا، لم أستطع منع نفسي من التدخل: ولماذا جسر ؟ لماذا لا تدرسون بناءً تقليدياً مثلاً ؟
نظرا إلي نظرة مغزاها: (المسكين، أهو على هذه الحال منذ زمن؟) ثم قبل أحدهما التنازل ليجبني على سؤالي البريء: ما رأيك أن تذهب وتلعب بعيداً... تريدنا أن نترك جسر منفذ بأحدث الأساليب والتقنيات كي يفلت من يدينا لنأخذ بناءً عادياً مملاً...
فأضاف الآخر بحماس: هذا المشروع من شأنه أن يحمس الدكاترة المشرفين لدرجة إعطائنا 90 على الأقل بكل راحة ضمير!!!
عندها قلت: الله يستر!
طبعاً لم يعلما (الأخرقين) ما ورطا نفسيهما به... إلا أن إحساسهما بالخورفة (إن صح التعبير) لم يلبث إلا وقد بدأ يتزايد مع كل استشارة كانا يطلبانها من أحد الأساتذة، الذي كان يهز كتفيه ويشير برأسه في ما معناه: (آسف لا أستطيع أن أساعدكم)، ثم ينسى الموضوع برمته، ليتابع آخر أخبار الحرب المحتملة على العراق... وهكذا تكدَّست المراجع والأوراق الصفراء المهترئة في منزلي، والتي اعتبرتها مصدراً قيماً للف سندويتشات الفلافل التي كنت أقدمها لهما أثناء عملهما لدي.
برأيي، هذا المشروع هو الدليل القاطع على وجود ما يسمى بـ (التوفيق الإلهي)، والذي يُسيِّر أغلب مرافق بلدنا هذه...
من قال أن زمن المعجزات قد ولَّـى؟
الآن وبعد أن قرأتم هذه المقدمة الملحمية، لكم أن تتخيلوا موقف الأساتذة في لجنة التحكيم وغيرهم من أعضاء الهيئة التدريسية الذين كانت هذه المقدمة بالنسبة لهم أهم من المشروع نفسه. لكم أن تتخيلوا الهرج والمرج الذي تسببت به هذه المقدمة المفترسة، لكم أن تتخيلوا ماهي نتيجة مشروع التخرج التي حصلت عليها بفضل هذه المقدمة، لكم أن تتخيلوا ما يحلو لكم... فالكلمات تعجز عن الوصف، إنما هي المخيلة الواسعة القادرة على تقريب الجواب!