حسناً أيها القارئ العزيز. نعم انتقيتُ العنوان أعلاه كي أجذبك لتقرأ هذه التدوينة، لكني لن أستمر في خداعك أبعد من العنوان وهذا السطر. أنا أرجوك أن تقرأ هذه التدوينة. اعتبره رجاءً شخصياً مني. وأعدك بعدم إضاعة وقتك في استطرادات جانبية.
لعلك تعرف حقيقة أن أقصر طريق للاحتراف هو في الحقيقة أطولها أو أنه وهمٌ لا وجود له. لذلك كل من يـعِـدُون أنفسهم بالوصول السريع للاحتراف نسمعهم يرددون عبارات ووعوداً وتمنيات لا تجلب لهم سوى السخط على النفس والإحباط وفقدان الأمل.
لعلك قد قرأتَ العديد من الدروس التعليمية للاحتراف السريع في برنامج ما أو لغة برمجة ما، وأعتقد أن النهاية لم تكن مُرضية.
لاحظ أولاً يا صديقي العزيز أن هناك بُعداً نفسياً للموضوع. فعندما تتعلم لغة برمجة إلى حد الاحتراف في خمسة أيام فقط، فإنك داخلياً لا تصدق ذلك. فأنت تعلم أن الأمور لا تتم بهذه السهولة، وستزدرد ريقك توتراً وقلقاً عندما تواجه شخصاً آخر درَسَ الموضوع لمدة سنة مثلاً حتى وإن لم يصفْ نفسه بأنه محترف. لا شعورياً ستكون لديك قناعة بأنه أفضل منك. وهنا تتولد لديك عقدة نقص دائمة بدلاً من الثقة والفخر بما وهبك إياه الله من علم.
إذن القاعدة الأولى: الاحتراف هو قناعة داخلية؛ تقوى ببذل الجهد ورؤية النتائج وبتشجيع الآخرين واعترافهم بإنجازاتك.
أنا أعارض تماماً ضرورة إتقان العلم حتى نهايته كي تصبح محترفاً، فهذا ضرب من المستحيل خصوصاً هذه الأيام حيث العلوم تتفرع وتتعقد وتتعمق إلى ما لا نهاية. لذلك أرى أنه يحق للشخص أن يصف نفسه كمحترف رياضيات مثلاً رغم أنه ماهر في التفاضل والتكامل فقط وليس متقناً لجوانب الهندسة الفراغية مثلاً. فأسماء العلوم أصبحت مجرد عناوين كبيييرة للغاية يخشى الجميع منها، وهكذا نسقط في دوامة لا تنتهي من الألقاب والاختصاصات التي تمتد لسطرين كاملين.
مثال آخر، عندما نقول عن شخص أنه محترف دايركت إكس، فهل هذا يعني بالضرورة أنه يعلم كيفية استخدام كافة مكوناته؟ وإن فعل، فهل يعلم كيفية إنجاز كافة المؤثرات التي يبتكرها الآخرون وتعمل على دايركت إكس؟ كلا ليس بالضرورة. فدايركت إكس هو أيضاً عنوان كبييييير يستحيل الإلمام به.
إذن القاعدة الثانية: لستَ محترفاً إن علمْت العلم من كل جوانبه، وإنما أنت محترف إن علمت كيف تستخدم العلم بما يكفي لإنجاز ما تريد!
علوم المدرسة هي خير مثال، حيث نضطر لحفظ كم هائل من المعلومات كالببغاوات دون الإفادة منها. بالمقابل، عندما نطبق مجرد جزء طفيف من مبادئ الهندسة الفراغية التي تعلمناها في المدرسة في برمجة مشهد ثلاثي الأبعاد فإن ثقتنا بأنفسنا ترتفع ولا شعورياً تتولد لدينا القناعة بالاحتراف.
القاعدة الثالثة: { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } – الآية 76 – سورة يوسُف.
كونك محترفاً لا يعني وجوب كونك أعلم العالمين بمجالك. أعتقد أن هذه القاعدة تزيل عن كاهل البعض عبئاً كبيراً كانوا يظنون أنهم يحملونه. فقط اعلم أنك مهما كنت محترفاً فهناك من هو أكثر احترافاً منك، ولا عيب في ذلك إطلاقاً. فلكل ظروفه واهتماماته التي تؤدي إلى ازدياد خبرته بمجال ما؛ وإلا فستحتاج لقرون وقرون قبل أن تصبح أعلم المحترفين
الحديث ذو شجون، وفي جعبتي عدد لا بأس به من الأخبار الطيبة والتوجيهات التي تساعد في الاحتراف. سأطرحها في تدوينات قادمة بصحبتكم إن شاء الله.
إلى اللقاء أيها الأصدقاء… المحترفون