الكلمات الضائعة

مدونة بقلم أسامة السلمان

قصة قصيرة: خيال كاذب

كان يجلس على أريكته البالية في وضعيته المحببة، واضعًا قدماه على المكان الوحيد النظيف على الطاولة أمامه. أحاط بقدميه خليط من أوراق الطعام وصناديق البيتزا التي تناولها قبل أسبوع أو يزيد.استقر مقعده في قلب الأريكة التي تشكلت على جسمه بينما أمسكت يده اليمنى بجهاز التحكم، وأما اليسرى فحاولت أن تستلقي بعيدًا عن بقعة الصودا التي تملأ ظهر الأريكة.
تزينت هذه الفوضى بمناديل ورقية ترمى هنا وهناك، وكأنها عمل مقصود. بدت للفوضى روح على ملبسه أيضًا، فكان يلبس ملابس لم يدرى أصل لونها من تسابق ألوان البقع عليها. بنطال يظهر عليه أثر الزمان، وأما أعلاه فقميص داخلي ليس بأفضل حالًا.
في ظلمة هذا المكان تلألأت شاشة التلفاز بومضات سحرت عينيه كالمعتاد، فصار يقلب باحثًا عن شيء يناسب طول بثه الوقت اللازم لأكل الإثنا عشر إنشًا من الشطائر المستلقية في أمان حجره.
وجد برنامج حواري تروق له مقدمته ذات الشعر الأشقر، فأوقف البحث الذي أرهقه لعابًا وانتظارًا. أكل أو بالأحرى بلع ما في يده في دقائق معدودة، بينما صدى الحوارالتلفازي حول دور المدرسة في تربية الطفل يجوب المكان. كان يختلس نظرات إليها متى ما صعب على فمه أن يستقبل لقمة أخرى غير دار ما تقول ولا ماتريد هي وضيوفها بهذا البرنامج السخيف، ياليتها تعرض الأزياء أو شيء من هذا القبيل، هكذا قال لنفسه.

فتح حسابه على تويتر على جواله الذي وجده في أحد صناديق البيتزا ومن ثم غرد قائلًا:
"يا لجمال الليالي الممطرة، تعطينا فرصة لنتأمل في أنفسنا بعيدًا عن صخب هذا العالم".
كان يمكن لمتابعيه أن يشكوا في مصداقيته عندما يشاهدوا البعد بين الأريكة والنافذة في منزله، ولكن بعيدًا عن ذلك فقد كان ذا كلام جميل عذب، يؤكده عدد المتابعون وتفاعلاتهم. فقد جعل الكتابة المنفذ الأخير والوحيد لمثالياته وخياله. شعر بنشوته التي عهدها عندما ينشر شيئًا ما، ومن ثم قام يقرأه مرات ومرات حتى يعيد تلك النشوة أو يجعلها ترتد في أصداء عقله لمزيد من الوقت.

ضغط أصبعه على زر الخروج من التطبيق ولكن كان للزيت المغطس به اصبعه رأي آخر ففتح كاميرة الجوال الأمامية من غير قصد، ومن ثم حدثت صدمة وجودية.
جعلته الكاميرة يرى نفسه من منظور آخر، منظور لا يشوبه الخيال الخصب الذي يسوح في أرجاء عقله مغلفًا كل فكرة بغلاف من الإيجابية والأحلام. منظور واقعي أليم. حلقت عينيه في أرجاء الصورة الظاهرة على الكاميرة مشاهدًا ما هو فيه من فوضى، ولربما تحركت يده حتى يرى مزيدًا بهذه العين الجديدة. شاهد دمعة تخرج من عينه اليسرى لتختلط ببقايا الطعام على فمه، فكان هذا آخر مايراه قبل أن يسقط الجوال من يديه ... كان ذلك كافيًا بأن يجهش بالبكاء تلك الليلة لوقت طويل .. طويل .. طويل.

أضف تعليقاً

Loading