الكلمات الضائعة

مدونة بقلم أسامة السلمان

رحلة في أعماق الإنتاجية : كيف ننهي مانبدأ؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أتمنى من الله أن تكونوا بأحسن حال وأنتم تقرأون هذه التدوينة وأتمنى من الله أن ينفع بكم الإسلام والمسلمين، إنه على كل شيء قدير.
إخوتي في الله إنما موضوع هذه التدوينة ينبع من مشكلة واجهتها أنا ومازلت أواجهها بين الفينة والأخرى ولكن بفضل الله لي طرق أواجهها بها وإن شاء الله أشاركها معكم وأفيد وأستفيد منكم ومن تعليقاتكم.

 

الموضوع كما يبدو من العنوان هو : كيف ننهي مانبدأ، وقبل أن أخوض في غماره يطيب لي أن أبدأ بمقدمة تفصل هذه الشكوى علك ترتبط أخي القارئ بأحد جملها.

كم من مرة أتت على بالك فكرة وقمت بالشروع فيها إلى أن يأتي ذلك اليوم بعد أسبوعين وقد استيقظت من سريرك وأن تتمتم ضجرًا وتقول لنفسك : اللعنة! سأبدأ شيئًا آخر!
كم من مرة بدأت في قراءة كتاب مكون من 500 صفحة وأنت في أعلى درجات الهمة وعزمت أن تنهيه قبل غروب شمس اليوم الثالث ولكنك قررت تركه راجيًا من الله أن يطيل في عمرك كي تكمله يومًا آخر؟
كم من مرة بدأت في رياضة جديدة وقد نويت أن تواظب عليها حتى يظهر لك ذلك الجسم المفتول كي تعجب به الفتيات وتتمتع بحياة صحية، حتى يأتي اليوم الثالث وتجد نفسك تأكل الشطيرة الثالثة كوجبة خفيفة!
كم مرة بدأت ولم تنهي؟

إن كان جوابك مرات عديدة فأحب أن اخبرك خبران : الأول سعيد والآخر حزين، ودعنا نبدأ بالسعيد علك تطيل نفسك للحزين.
أما السعيد فهو : أنك تملك صفة نادرة وليست موجودة عند الكثير وهي نعمة تستحق أن تشكر الله عليها. ألا وهي نعمة البدأ! فكثير مننا هذه الأيام مشكلته في بدأ الأشياء فتجده يؤجل ويؤجل ويقول غدًا سأبدأ أو من الأسبوع القادم ستتغير حياتي وغيره من هذا القبيل ويكون أثقل شيء عليه أن يبدأ في شيء جديد. فإن كنت تبدأ الأشياء بسهولة فاحمد الله وأكمل معي إلى الخبر الحزين.
أما الحزين فهو : أنت لا تنجز حقًا. صحيح قرأت 1000 صفحة ولكنها من عشر كتب دون أن تنهي أحدها ودون أن تصل للب الكتاب وفائدته! صحيح تمرنت ثلاثة أيام ولكنك أضعت مااستفدته مع الشطيرة الثالثة!
كل هذا ليس حقًا إنجاز. بل الإنجاز الحقيقي عندما تنهي الشيء. تخيل صلاة عصر تصليها ثلاثًا وتقول : عل الله يأجرني على الثلاث ركعات!!! هنا صلاتك لن تقبل - بإذن الله- لأنك لم تتمها. وهكذا في الأمور الدنيوية.
والآن بعد أن أنهينا تفصيل المشكلة حان أوان بيان أسبابها ومعلوم أنه إذا عرف السبب بطل العجب.

هذه المشكلة تأتي من ثلاثة مصادر لا رابع لهم وهم :

1 - ضياع الفضول
2 - ضعف الإنضباط
3 - بعد المنال


وسآتيك الآن ببيانهم، أما الأولى : ضياع الفضول فهي في نظري من أهم الأسباب للمشكلة وقبل أن أشرح ذاك دعني أتحدث عن الفضول قليلًا :
أتعلم أخي القارئ أن مايجعلك تتم قراءتك لهذه التدوينة هو الفضول؟! وهذه النقطة هي نقطية تميز في أي كتاب أو رواية فتجد الكاتب يسعى لأن يبقيك دومًا على فضول لكي تستمر في القراءة حتى النهاية وتشبع فضولك وحتى أنا يملأني الفضول لمعرفة رأي الناس فمن الأشياء التي تحفزني لإنهاء هذه التدوينة هو مشاركتها معكم وسماع تعليقاتكم.
هكذا هم البشر مخلوقات فضولية وهذه النعمة وضعها فينا ربنا كي نكتشف العالم من حولنا ونتعلم كل جديد. أتعلم لماذا تقضي 30 ساعة أسبوعيًا على التلفاز؟

لأن عندك فضول في معرفة ماذا سيأتي في الحلقة القادمة من هذا المسلسل؟ هل سيموت البطل؟ هل سيتزوجها؟ وهكذا أي وسط إعلامي دائمًا يسعى لإثارة فضول المتلقي كي يستجدي انتباهه، وحتى في عالم الألعاب

تجد أن الفضول أكثر من غيره فكم مرة جلست أقاتل ذلك الوحش ساعات وساعات حتى أقضي عليه وأتمكن من مشاهدة المقطع التالي من القصة! وفي عالم الألعاب الفضول سهل وضعه في اللاعب لأن اللاعب يصنع فضوله مباشرة في معرفة نتائج خياراته فمثلًا يقول لنفسه ماذا لو قتلت صديقي وخنته هل سأحصل على ذهب أكثر في النهاية؟ هل إذا ساعدته ستسهل علي الصعاب؟ وهكذا ينمو الفضول أكثر فأكثر فنجد الألعاب من أكبر الوسائط الإعلامية التي تؤثر في مستهليكيها.
الآن جئنا لمربط الفرس، مادخل الفضول في الحياة العملية؟ أخي القارئ إن الفضول هو مايبقي العلماء يبحثون عن إجابة ذلك السؤال شهورًا وسنوات وحتى اكتشافات ونظريات كل ��لك في إشباع فضولهم.
في مرة من المرات كنت أقرأ كتاب الأحياء للمرحلة الثانوية ووجدت من أهداف تعلم الأحياء هو إشباع الفضول البشري!

الآن كل ما أطلبه منك هو أن تنظر لكل الأعمال التي تريد إنهاءها واسأل نفسك لماذا بدأتها ستجد أن هناك فضول أدى بك إلى ذلك. فأنا مثلًا عندما أطور لعبة يعتريني فضول عن رأي الناس فيها وأراني متحمسًا لذلك اليوم الذي سأنشره فيها لأنه في ذلك اليوم أخيرًا سأستمع لآراء الناس فيها!
وذلك اليوم وأنا في المكتبة وجدت كتابًا في ركن الكتب الجديدة. هل تعرف ماشدني أليه؟ أولًا كان اسمه غريب : "حوجن". ثانيًا في ظهر الكتاب بدى أن الكتاب رواية تتكلم عن عالم الجن وفي الصفحات الأولى وجدته لا يتكلم عن جن خرافيين بل يتكلم عن الجن ال1ذين يعيشون معنا وكيف يروننا وكيف هم فريقان كافر ومؤمن وغيرها من الأمور التي أوصلت الفضول عندي إلى مرحلة أنني أقتنيت الكتاب وأنهيت قرابة 130 صفحة في 3 ساعات تقريبًا. هذا الفضول هو مبحثنا وعندما يضيع منا لأي سبب كان نجدنا نتكاسل ونغتم ونقرر التخلي عما أردناه من البداية وكل ذلك لأننا نسينا مالذي أثار فضولنا لنبدأ هذا الشيء.
لذا نصيحتي هي أن تحافظ على الفضول دائمًا معك في كل أمور وخصوصًا في الأمور التي ترغب إنهاءها وإن شاء الله ستوفق لذلك. اجعل فضولك دومًا في منزلتك في الآخرة كيف ستعيش هناك؟ ومع من ستعيش؟ كم من الحور العين سيكون لك؟ وكل ذلك فضول يبتغى بالأعمال الصالحة وفقنا الله وإياك لها.

 

كان ذلك السبب الأول والآن نتحدث عن السبب الثاني، ضعف الانضباط. الحياة فيها الكثير من الشهوات التي تلهينا في كل يوم عن أهدافنا ويحدد استجابتنا لتلك الشهوات مقدار انضباطنا. لا أدري أين قرأت هذه الدراسة ولكن أجروا هذه التجربة على عدد من الأطفال، أحضروا قطع من الحلوى وقالوا للأطفال عندكم خيارين إما أن تأخذو قطعة حلوى الآن أو تأتوا غد وتحصلوا على قطعتين فما كان من الأطفال إلا أن أنقسموا قسمين الأول أخذها وهم الكثرة والآخر قرر الانتظار للغد وهم قلة وبعد ذلك تابعوا حياة الأطفال فوجدوا أن القلة التي قررت الانتظار من أجل النصيب الأكبر كانت أكثر نجاحًا في حياتها الأكاديمية والمالية.

ماذا نستنج من ذلك؟ أن الانضباط والصبر حليف من أراد النجاح وخير مثال للانضباط هم الجنود فتجد حياتهم كلها انضباط. انضباط في التمارين، وانضباط في الطعام، وانضباط في الاستيقاظ. لذا أحب أن أستمع لهذه الأنشودة بين الفينة والأخرة لتذكرنا بأننا كلنا جنود نسعى في إرضاء الله مهما جابهتنا الحياة بالشهوات نجابهها بالصبر والانضباط:

الانضباط أمر مهم ولا يكفي جزء من هذه التدوينة لشرحه ولكن إن شاء الله سأكتب تدوينة تتحدث عنه بعد أن أدرسه دراسة شاملة.

والآن نأتي إلى آخر سبب وهو بعد المنال :
بعد المنال معناه أن تبتغي شيئًا ولكن ذلك الشيء بعيد وكون ذلك الشيء بعيد يضع في نفسك مللًا و تعاسة كونك وضعت سعادتك في تحقيق ذلك الشيء وهذا يؤدي إلى الكدح الذي يتلوه الترك وهذا يعد مطرقة للكثير من المشاريع التي تبدأ ولحل هذه المشكلة على الشخص أن يفهم مبدأ النيات، فأنت إذا أردت أن تعمل عملًا فاعمله لله أيًا كان وإن صدقت نيتك أدى ذلك إلى أن تؤجر على عملك وليس على انتهاءك من عملك.
فمثلًا إن قررت أن تحفظ القرآن لله فاعلم أنك بحفظك الحرف الواحد تؤجر وليس عند حفظك للقرآن كاملًا فقط. فكل ثانية تقضيها في هذا العمل إن صدقت نيتك لله وتؤجر عليها إن شاء الله وتصبح ساعيًا في رضاءه. أي يحصل لك كل هذا عندما تبدأ العمل وتعمل وليس عندما تنهيه فلا تحبط أبدًا بل اعمل واعلم أنك تؤجر الآن كما ستؤجر عندما تنتهي وذلك قد يعيد إشعال همتك إن ذكرته مباشرة قبل البدأ في العمل. أي أنت تحقق هدفك في الثانية التي تبدأ العمل فيها.

في النهاية أحب أن أقول مقولة :


ليس الهدف أن تنهي ماتبدأ، بل الهدف أن تبدأ ماتنهيه.


وذلك لا يكون إلا بفضول مستمر وانضباط جندي وصدق نية. واعلم أن على العبد أن يتخير معاركه فليس كل معركة تخاض ولكن يخاض من فيه نصر إن شاء الله.

أريد منكم في آخر التدوينة أن تشاركوني آراءكم وعن ماذا تحبون أن أكتب لكم المرة القادمة.


وواجبكم هذه المرة : أن تخبروني أي الأسباب الثلاثة كان سببًا في عدم إنهائك للكثير وكيف تنوي التخلص منه. وإن كنت ترى أسبابًا أخرى فشاركها معنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

التعليقات (2) -

  • العلّامة

    15/09/2013 06:19:41 م | الرد

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    أخي ضرغام، لقد وضعت يدك على الجرح.
    شكراً لك.
    أما بالنسبة  للواجب فالجواب هو أن جميع الأسباب طاغية ولكن يبدو لي بأني فعلاً بحاجة لإنضباط الجندي.
    شكرأً مرة أخرى، وفي أمان الله.
    بإنتظار تدوينتك القادمة عن توزيع مشاريعك على يومك الإسبوعي والشهر. مثل كيف أجمع بين مذاكرة المقررات الدراسية ومذاكرة الخاصي بي خارج النظام التعليم الرسمي، وهكذا.
    تحياتي.

  • مهند

    14/09/2014 04:44:31 م | الرد

    رائع مقالة رائعة فيها عنصر الفضول فأنت تجر القارئ بطريقة جذابة لكي يقراء السطر التالي لذلك اظن ان معظم القراء اكمل المقال كلة ولم يكتفي بالعنوان
    بالنسبة لي العامل الاساسي وراء عدم انتهاء مشاريعي هو "ضعف الانضباط" فانا كل يوم اقوم بوضع خطة مثلا لكي ادرس شي معني وقبل ان انتهي منه اتحول الي دراسة شي اخر من دون تحقيق المراد في الخطة

أضف تعليقاً

Loading