الكلمات الضائعة

مدونة بقلم أسامة السلمان

قصة قصيرة: حديث غرباء

خرجت في رحلة وحدي لم أرد أن يكون لي رفيق سوى آمالي المتخبطة وأحزاني المتراكمة إلى المسجد النبوي، علي أضع وزرًا أو آتي بقبس من نور. اصطحبت غرضًا قليلًا، دفترًا وقلمًا، ماءً وكتابًا.

وصلت المسجد بعد رحلة بدت لي وكأنها دهر طويل، صليت ما ضاع مني قصرًا ثم أتيت أحد أركان المسجد قاضيًا يومي بين القرآن والتأمل في الوجوه حولي.

غمرني نعاس شديد، أغمضت عيني مسايرًا، حتى أقض مضجعي طلاب كثر حول شيخ كان يجلس جانبي لم أنتبه له، فجلست معهم مرغمًا، سمعت حديثًا أو اثنين، ثم أتيت ركنًا آخر أكمل مضجعي، حتى جلس جانبي شاب في أوائل العشرين، نظرت في وجهه أنتظره يتكلم، ولكنه آثر السكوت، فاعتدلت في جلستي حياءً ونسيت فكرة النوم ... طال الملل مني فأخرجت من حقيبتي دفترًي الصغير وقلم الرصاص ... صرت أكتب قليلًا وأنظر للسقف أحيانًا كثيرة .. كل هذا وعيني الشاب مازالت تلاحقني.

قرر أن يقطع حبل الصمت الذي طال كثيرًا وتكلم: "ماذا تفعل؟".
لا أدري، ألم تكفي متابعته الصامتة لي حتى يتدخل في شأني ويسألني ماذا أفعل؟!
هدأت من روعي وقلت لنفسي أني أبالغ بردت فعلي هذه، فتصنعت الإبتسامة ثم قلت: "لا شيء، أحب أن أفكر على الورق". ازداد فرحًا بردي عليه حتى بدى للرائي أنه طفل! ثم قال: "اعذرني يا أخي، ولكني أزهري اغترب عن بلاده لطلب العلم، وتعلم كيف أن الغريب يبحث عن أهل بلاده في بلد الغربة، وأنا سعيد أني وجدت مصريًا طالبًا للعلم مثلي في هذه البلاد."

ضحكت ولكني سرعان ما كتمت ضحكتي احترامًا له: "أخطأت في كلاهما يا صديقي ... أنا فلسطيني زائر لمسجد الرسول فقط لا غير".
رد سريعًا: "من فلسطين! ... لابد أن رحلتك هنا كانت صعبة"
"لا يا صديقي، بل بضع ساعات من مسقط رأسي، فميلادي في مدينة مجاورة من هنا .. لكن دعك من هذا حدثني عن رحلتك أنت؟"
تكلم وتكلم والسعادة تغمره بينما الكلمات تتسابق من فمه، لا بد أنه كان وحيدًا فعلًا وأنس بي.

بعد مضي حين من الزمن، حزم غرضه وودعني داعيًا وشاكرًا لي، وبعد رحيله بقليل زمجرت معدتي غاضبة معلنة وقت العشاء، فلبيت نداءها.

طلبت من ما اشتهته بطني وافترشت ساحة المسجد النبوي، وبعد دقائق أتى شيخ بجانبي، أشار لي بيده مسلمًا، فرددت الإشارة، ثم جلس جانبي ... أشار للطعام راغبًا فيه، فقدمت له الصحن، فأكل صامتًا ولم ينطق حرفًا واحدًا. أشار لي شاكرًا وابتسامة سعادة تغمر وجهه، ثم قام ولوح مودعًا. لم أدري أهو أجنبي أم أخرس ولكنه كان محاطًا بهالة من السكينة لا أدري كيف أصفها.

نظفت مكاني، ولممت غرضي عائدًا إلى مدينتي، ففي هذا المكان طهر لا يحتاج لشخص مثلي كي يدنسه.

أضف تعليقاً

Loading