السلام عليكم ورحمة الله،
الكثير والكثير من الأمور منذ تدوينتي الأخيرة هنا. يحتشد الكلام فلا تعلم بماذا تبدأ، فتجد نفسك لم تكتب شيئاً في النهاية…
كما هو الحال مع أغلب من ينقطعون عن التدوين، السبب هو الانشغال. هناك نسبة طفيفة تنقطع عن التدوين لأسباب أخرى (خاصة أولئك الذين يتكلمون بمواضيع تافهة لا تؤثر في حياتهم بشيء، كالسياسة وغلاء المعيشة وسوء الأوضاع)، لكني لستُ من هذه العينة بعد ولله الحمد. غالبية المنشغلين ينشغلون بأمور الدراسة، وأنا من هذه الفئة للأسف… صحيح أن هناك أسباب بسيطة أخرى مثل ولادة ابني عمر (حفظه الله هو ووالدته)، لكن هذه الأسباب ليست هي الرئيسة والحق يقال.
انتهيت مؤخراً من تسليم رسالة الماجستير، والآن أنا أنتظر الحصول على تلك الشهادة المزخرفة التي يعلقونها على الحائط لتملأ مساحة لا تــَمـَـلُّ من أن تذكرك ببعض الذكريات الباسمة، كتلك اللحظات التي تحس فيها بالجبل الجاثم على صدرك عندما يقترب موعد تسليم الوظيفة دون أن تكون قد كتبت فيها حرفاً واحداً بعد. في الحقيقة أنا من الأشخاص الذين يبحثون عن هذا الجبل بحثاً، فما إن ينزاح أحد الجبال عن صدري لأشعر بنشوة النصر للحظات حتى يبدأ عقلي بالعمل لإيجاد همّ بديل يعيد رسم الحاجبين المقطبين على وجهي. وللأسف، فترة الدراسة ما هي إلا سلسلة مستمرة من الهموم التي ما إن تزيح أحدها حتى يبرز لك الآخر وهكذا وصولاً إلى التخرج. انتهينا من هذه الفترة الآن ولله الحمد، لكن… لماذا أتحدث عن هذا الموضوع؟ أعتذر عن الاستطراد…
كنتُ أريد قول أننا نعيش فترة التاريخية بدأت من العام الماضي، وما زالت تستمر في التفتح عن مفاجآت تكسر كل الجمود الذي عشناه في العقود الماضية. ذلك الجمود الذي تسبب بظهور سلسلة النكات عن "متى سينهض العرب؟" و "متى ستعود الأمة الإسلامية إلى أمجادها؟" وجوابها في كل الأحوال على شاكلة "عيش يا كديش" أو "عطينا عمر" أو "إبقى قابلني"، وربما أكثرها تفاؤلاً "بعد 100 سنة إن شاء الله"…
أما الآن ومع الأحداث الحالية فيبدو أن هذه النكات القاتمة قد انحسرت. فمنذ بدء الثورات العربية بدأت الضبابيات تجلو لينحل اللون الرمادي عن مكونيه الأساسيين: الأبيض والأسود. طبعاً هناك حالات واضحة كانت تثير الغيظ من فضاحتها كالعلاقات المصرية الإسرائيلية في فترة الحكم الأخيرة لسعادة البيه حسني مبارك، والحالة العقلية/النفسية للعقيد الراحل صاحب الخطاب التاريخي "زنقة-زنقة" (لا أنكر أنه كان ممتعاً بالرغم من كل شيء). لكن الحالات الغامضة التي تكشفت مؤخراً فعلاً صادمة. وبالنظر لهذه الحالات وكيف يتعامل العالم معها ستصل إلى نتيجة مزعجة للغاية: أن الإنسان بلا قيمة.
نعم نعم، أعرف ما تقولون: "حكى بدري" و "صح النوم" و "نعيماً"… وقد يقول البعض الآخر: أأحسست فقط عندما ابتلي السوريون بالقتل والتشريد؟ وهذا فيه بعض الصحة ولا أنكر ذلك. لكن لا يعني هذا أني لا أتعاطف سوى مع أبناء جنسيتي، وإنما أعني أن هذا الحدث كان هو الصدمة. عندما تنظر إلى الهيئات والجامعات التي تأخذ على عاتقها إحلال الأمن والسلام تجد أنها عملياً تـُستخدم كوسيلة تبرير أو شماعة تعلق عليها تبريرات لإسكات الرأي العام ليس إلا. ويبدو أن الفجاجة الدبلوماسية للنظام السوري الساقط قد كشفت كيف تستغل الدول هذه المنظمات عندما قال بشار الأسد في مقابلته مع باربرا وولترز أن "الأمم المتحدة لعبة نلعبها لكننا لا نعتقد بها". أستشهد على هذا الكلام أيضاً بفشل المهام المختلفة لهذه المنظمات في حل مختلف القضايا العربية والأممية في أنحاء العالم والتي تستمر في الازدياد بدلاً من التراجع.
طبعاً تبقى هذه المنظمات في النهاية مجرد وعاء حاوي، وعلى مبدأ "كل إناء بما فيه ينضح" نجد أن هذه المنظمات تعكس غياب إرادة الدول في حل أغلب الأزمات، والتي (في أحسن أحوالها) تطرح حلولاً خلبية تعالج النتائج وتترك المسببات لنجد أن الإنجازات تنتهي عند الرقم صفر، والذي نستطيع أن نضربه بكافة التصريحات الحقوقية التي تطلقها الحكومات. والخلاصة؟ انتظر لحظة… فبقليل من النظر نلاحظ أن غالبية الحكومات لديها مشاكل إنسانية داخلية قائمة فعلاً بسبب سياساتها وقوانينها، فإن كانت هي لا تعير اهتماماً لحقوق مواطنيها، فكيف لنا أن نتوقع منها أن تكون جادة في حل مشاكل شعوب أخرى؟
الحالة السورية هي مثال قوي وربما متطرف بعض الشيء على كلامي السابق. فمن جهة، لدينا الشعب السوري الذي سُلب حقوقه الأساسية في الحياة الكريمة (وسأتفادى ذكرها الآن كي لا أطيل الكلام) وفوق كل ذلك، فقد كان دائماً يدفع ثمن مواقف مبدئية تضعه في "محور الشر" فيتبعها عقوبات اقتصادية وتقنية تحاصره أكثر وأكثر. الآن، وفجأة، تكتشف الولايا�� المتحدة الأمريكية أن الشعب السوري مظلوم وأنه يعاني من نقص حقوق الإنسان، وتتخذ مواقفاً قد تبدو للبعض مؤيدة للثورة السورية.
لنترك إذن مصافحة الأيادي الأمريكية للدبلوماسيين السوريين في الائتلاف الوطني الذين قد يجدون في ذلك ضرورة من منطلق تفادي فتح المزيد من الجبهات (أو هكذا أرجو أن يكون المبرر)، أما عني أنا كشخص بسيط فلا أنسى أن الولايات المتحدة هي من تقتل إخواني المسلمين في أفغانستان والصومال وهي من ترفع حق النقض ضد كل ما يتعلق بمصلحة الفلسطينيين في مجلس الأمن قبل أن ترفعه روسيا والصين ضد السوريين.
بعد كل هذا، تصبح التبريرات الروسية عن إرسال أسلحة لسوريا أنها "لا تخالف القانون الدولي" وأن دعم التخلص من سفاح طليق "مخالف للقانون الدولي" ليست أكثر من نكتة "بايخة". لكن بعيداً عن الفكاهة، أنا أرى هذه التصريحات جريمة يجب أن يعاقب مرتكبها. ومع غياب جهة مسؤولة عن تحقيق هذا العقاب (باستثناء السوريين أنفسهم ولدرجة محدودة عن طريق قطع العلاقات مع الحكومة الروسية) أحمد الله كثيراً على وجود يوم القيامة لنشهد الحساب الحق لهؤلاء الذين لا يرون في البشر سوى أرقاماً في أحسن الأحوال، سواءً كانوا من الروس أو الأمريكان أو السوريين طوال الرقبة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته…