السلام عليكم،
لمستُ في تدوينة سابقة أهمية دور الانتشار الفيروسي في نشر ألعاب المطورين المستقلين هذه الأيام. وقد برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة انتقاد الألعاب بغضب (angry reviews) حيث يقوم أحدهم بلعب لعبة (حتى وإن كانت قديمة)، والتركيز على عيوبها عن طريق إظهار معاناته أثناء لعبها والصراخ عليها وصب سيل لا ينقطع من الشتائم واللعنات على كل من اللعبة ومن طوّرها وأمه وأبوه وربما قبيلته وعشيرته كذلك.
الملفت للنظر هو أن عدد المشاهدات لهذه النوعية من المقاطع يفوق بشدة مشاهدات المراجعات التقليدية إن وجدت، مما يعني وصول إلى عدد كبير من الناس، وهي الكلمة السحرية لدى المطورين المستقلين كما ذكرنا آنفاً. الموضوع يحتمل وجهات نظر مختلفة تم نقاشها بالفعل في مؤتمرات تطوير الألعاب ضمن حلقات التسويق. فمنهم من يجد أن الوصول للعدد الكبير مفيد بغض النظر عما يقال عن منتجك، والبعض الآخر يجدون أن هذه الدعاية وإن وصلت للكثيرين فإنها دعاية سلبية لا تترجم إلى مبيعات مفيدة، لا سيما أن هدف الناقد في هذه الحالة ليس إنصاف المنتج وإنما تدميره لتسلية المشاهدين.
هناك عدد من قنوات يوتيوب المختصة بهذه النوعية من المحتوى أو قريب منها، لكني كنت أقرأ عن خلفية صاحب أحد أنجح هذه القنوات (فيليكس كيلبيرج)، وهو شاب سويدي يعيش في بريطانيا وتتصدر مشاهدات قناته أعلى قنوات يوتيوب. طبعاً عندما تذكر شخصاً يتابعه 50 مليون مشترك فأنت تتحدث عن شخص واحد بوزن قناة تلفزيونية كاملة بل وناجحة أيضاً. لمطوري الألعاب المستقلين، الوصول إلى هذا الشخص يعتبر بمثابة الحلم أو رؤية ليلة القدر. لكن ما لفت نظري في الموضوع هو واحد من المواقف التي ورّط بها فيليكس نفسه، إذ تسبب كلامه البذيء في بضعة حلقات بإعطاء الانطباع بكرهه لليهود.. وهنا قامت عليه الدنيا ولم تقعد، وتجاوز الموضوع استنكار بعض المشاهدين إلى مقاطعة الشركات الإعلامية المتعاونة معه ومن ضمنها جوجل التي أزالته من خدماتها التسويقية، وأوقفت إنتاج إحدى السلاسل معه والتي كانت ستعرض في يوتيوب الأحمر (النسخة المدفوعة من يوتيوب).
بعد أن قرأت عن هذه الحادثة، توقفت لأقرأ عن القوانين التي تجرم كراهية اليهود ومعاداة السامية. الظريف في الموضوع أن مثل هذه القوانين غائبة عن أغلب الدول باستثناء فرنسا والنمسا وأسبانيا ودول أخرى لا وزن لها. أما في أمريكا وبريطانيا فإن قانون حرية التحدث هو السائد. بمعنى آخر، هذه الشركات تصرفت من تلقاء نفسها دون أن يطلب منها قاضٍ ما أية مطالب أو جزاءات.
طبعاً أنا لا أقصد إهانة ذكاء القارئ والذي يعرف بالبداهة أن الإعلام منحاز، لكنني أحببت أن أذكّر بهذه المسألة بمثال دامغ ومعاصر، وكي لا ننسى كيف يسير العالم اليوم.
هل هذا يهمني كمطور ألعاب؟ لقد تحدثت عن هذا الموضوع من قبل، وأرجو أن يكون القارئ قدّر جدية الموضوع، وتحضرني ثانية القصة التي حدثت للعبة البادية في مؤتمر E3 وكيف تعاملت معها إحدى المؤسسات الإعلامية العربية، كمثال على ما أعتبره خطأ كبير.
كل ما أودّ قوله هو: تيقظ لما تفعله... فمهنتك الإعلام. ومن يمسك بخيوط هذه المهنة اليوم... هم الغاضبون...