السلام عليكم ورحمة الله،
حديثنا اليوم عن الملقوف. قد تكون الكلمة غريبة للبعض، لذلك وقبل أن أسترسل وجب علي أن أشرح لك ما هو أو من هو الملقوف...
الملقوف: مصطلح يطلق في بلاد الخليج العربي على الشخص الذي يتدخل فيما لا يعنيه ودون أن يدعوه أحد لذلك. باللهجة الشامية نسميه "كتار غلبة" بتشديد التاء. ويقال الملقوف يتلقف وفعله هو اللقافة. وأخيراً ننوه أن حرف القاف يلفظ كالجيم المصرية كما في كلمة منجا أو منجولي.
إلا أننا لسنا بصدد الحديث عن الملاقيف من جنس بني آدم، فهؤلاء كثُر وليس هناك بالشيء المثير في الحديث عنهم... لكننا عن البرمجيات نتحدث. وأنا متأكد أنك تعاني معي من البرمجيات الملقوفة وإن كنت لم تفكر كثيراً بالموضوع...
في حياة سريعة مثل التي نحياها هذا العصر من المهم جداً أن تكون التقنيات التي نستخدمها محط اعتماد وموثوقية، وإلا فهي أفخاخ أو مقالب تنتظر الحدوث.
اشتهرت في الحقبة الأخيرة في هندسة البرمجيات فلسفة "أطلق باكراً أطلق كثيراً"، أو بالإنجليزية (Release early, release often)، وهي كما يظهر من اسمها تدعو المطور للإبكار والإكثار من إطلاق المنتج أو تحديثاته كي يعزز من تواصله مع المستخدم النهائي ويتفادى المطور تطوير مزايا لا تعجب المستخدم أو لا يحتاجها.
الفكرة جميلة وهدفها نبيل... لكن هناك فلسفة أخرى التحقت بما سبق وهي فلسفة التحديث التلقائي. اجتماع هاتين الفلسفتين معاً ينتج لنا ما أدعوه بالبرنامج الملقوف!
والبرنامج الملقوف عزيزي القارئ يتميز بأنه يهتم بتحديث نفسه أكثر من اهتمامه بأن يستخدمه المستخدم. وكي لا يبقى كلامنا عائماً، لنضرب أمثلة من الواقع:
- تشغل جهازك لتكتب ملفاً وترسله إلى مدرسك قبل انقضاء المهلة المتاحة للتسليم... فقط لتجد أن ويندوز يقوم بتثبيت كومة من التحديثات.. هكذا لوحده... وتستغرق العملية ربع الساعة على الأقل يبقيك فيها النظام في شاشة باهتة من غير حول لك ولا قوة إلى أن تنسى السبب الأساسي لتشغيلك الجهاز.
- منهمك في كتابة تغريدة على هاتفك لتفاجأ أن برنامج تويتر أغلق فجأة... لماذا؟ لا سبب واضح.. ثم تدقق في الشريط العلوي لتجد أن تحديثاً للبرنامج يتم تثبيته. بالمناسبة، من بين كل البرامج التي واجهتها في حياتي لم أرَ مثل تويتر في كثافة التحديثات.. بمعدل كل يوم أو يومين تحديث جديد!
- تشغل متصفح فايرفوكس فتفاجأ بدلاً من ظهور المتصفح جاهزاً، تقابلك نافذة غبية تخبرك بأن البرنامج يقوم بتثبيت آخر تحديث له وأن عليك الانتظار حتى ينتهي. برنامج سبوتيفاي (Spotify) يعاني من نفس الآفة هو الآخر.
- تجد لنفسك متنفساً لنصف ساعة تقرر أن تقضيها سريعاً في لعبة على الإكس بوكس 1. تفتح الجهاز لتجد رسالة تحديث نظام تنتظرك، ولا طريقة لتفاديها! تتنظر وتنتظر.. وفي النهاية ينتهي التحديث. تضغط على رمز تشغيل اللعبة فتفاجأ برسالة أن اللعبة بحاجة للتحديث قبل الاستمرار! وهكذا يتبدد وقتك بهراء لا ينتهي. التحديثات في البلايستيشن 4 ليست بأفضل حالاً هي الأخرى، لكنها على الأقل تعطيك خيار تأجيلها لوقت آخر ومتابعة اللعب بدونها نوعاً ما.
- أما حزمة برامج شركة أدوبي فتأخذ بعداً آخر لم يسبقها إليه أحد بعد.. فهي رائدة بالزناخة واللقافة وثقل الدم. في حياتي لم أرَ برنامجاً في عناد برامج أدوبي باستثناء الفيروسات! ما إن تثبت برنامجاً من برامج أدوبي على جهازك حتى تتسلل خدمة التحديث الخاصة بأدوبي. هذه الخدمة اللعينة مهما حاولت فصلها أو إزالتها أو حذف ملفاتها فإنها تعيد تشغيل نفسها أو استرجاع ملفاتها الناقصة كالسرطان. إن كنت تستخدم برنامج فلاش أو أدوبي ريدر فستعلم عمّ أتحدث. والأسوأ أن تحديثات أدوبي تأتي بكثافة أسبوعية تقريباً. فقط ابحث في جوجل عن كيفية فصل تحديثات أدوبي واستمتع بعدد الصفحات الهائل المخصص لهذا الموضوع من أصغر المواقع إلى أضخمها.
وهكذا عزيزي القارئ تجد أن هذه البرمجيات الملقوفة تظن أن غايتها في الوجود هي الحفاظ على شبابها، والمستخدم يذهب في ستين داهية! سواءً كان يحتاج للبرنامج لعرض وثيقة في اجتماع أمام رؤسائه، أو أنه منهمك في لعبة تنافسية حامية على الإنترنت تحتاج لبينج (ping) سريع، أو أن حزمة البيانات المتاحة له شهرياً من الإنترنت محدودة... كل هذا لا يهم... المهم التحديثات ولا شيء آخر.
لذلك، أودّ أن أخبرك بمعلومة أخيرة... إن كنت مطور برامج ولك يد في موضوع تحديث برنامجك فلتعلم أنك إن طورت برنامجك ليكون ملقوفاً فإنك على الأغلب تتلقى الكثير من الشتائم والدعوات عليك من قبل المستخدمين.. وأنا على رأسهم!
والسلام عليكم ورحمة الله!