وفي سفر لي لبلاد العرب؛ طالبًا العلم ورحالي الكتب، لاقيت في قافلتي أعرابيًا يهتز على ناقته من الطرب، فغلب على ظني أنه إما صوفي يتبهل إلى ربه، وإما عاشق يذكر معشوقته. فلما حاذى مركبي ناقته سرقت من تمتمته:
فؤادي بين أضلاعي غريب ... ينادي من يحب فلا يجيب
ولأسفي لم يكشف لي هذا البيت عن مذهبه، فتركت الكتاب الذي أحمله وأشغلت أذني به حتى سمعت:
تداويت من ليلى بليلى عن الهوى ... كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
فظهرت لي حقيقته، ويعلم الله أنني قد كرهت أصحاب العشق منذ زمن طويل فأراهم من الهائمين على وجوههم والمسقطين لمائها، ولكن كيلا أكون من الباهتين، فقد وجدت في كلامه حلاوة.
ولا أدري ما الذي جعلني أهم إليه وأسأله:
"يا أعرابي .. لي عندك مسألة'
رد وشيء من الغضب يعلو وجهه لما قطعت عليه من سكرة:
"هاتها"
قلت : "ما الحب يا هذا .. ما الحب الذي أسكر عقلك وصرت تهذو به؟"
سكت حينًا طويلًا وكأنني سألته عن عظيم ثم قال:
"الحب أن يكون لك ليلى"
تعالت قهقهاتي وضحكت مطولًا حتى التفت رؤوس من بالقافلة، فعدت لرشدي وقلت:
"تنشد شعرًا فصيحًا وعندما سألتك عن تعريف الحب كان منك هذا"
رسم العزم والغضب ملامحًا غريبة على وجهه قال فيها:
"يا من لا يفقه قلبه، أما لو أنك أعملت الفؤاد في كلامي لفهمته ... الحب هو عين مافعلته ... فالحب هو أن تكون المحبوبة ذاتها ترجمانه"
سكت بعد هذا الكلام ولم ينطق بحرف طول سفرنا، وأما أنا فعدت لكتبي وورقي؛ فإن صدق هذا الأعرابي في شيء فإني امرؤٌ لا يفقه قلبه.