همام البهنسي

عن تطوير الألعاب... وبعض من الرياضيات والموسيقى

المتجهــات في النظريــــة الموسيقيـــة – جزء 1: مقدمة

قد لا يكون من المألوف عند البعض توظيف مفاهيم الرياضيات أو تطبيقاتها في الموسيقى، فالموسيقى يمكن اعتبارها ظاهرة كونية غير موصفة علمياً من خلال القوانين والمعادلات، وإنما تعامل معها الإنسان كغيرها من الظواهر الكونية قبل تحليلها واستنتاج قوانينها بشكل كامل، فإذا أردنا تقريب المسألة وتأملنا في الجاذبية كمثال مألوف لنا سنجد أن الإنسان عندما تعامل معها بفطرته، أدرك وجودها دون أن يملك قوانينها، واستمر في هذا لعصور طويلة إلى أن أتى الأخ نيوتن ليضع قانونها المعروف ليفسر لنا من خلاله الكثير مما نراه حولنا ابتداءً من سقوط التفاح فوق رؤوسنا وانتهاء بدوران الكواكب في مساراتها حول النجوم. والموسيقى في هذا الأمر لا تختلف كثيراً، فالإنسان رغم إدراكه لها وتعامله معها لعصور طويلة إلا أنه ما زال يسعى ويحاول جاهداً لفك طلاسمها واكتشاف قوانينها التي تمكنه من فهمها والسيطرة عليها.

 

في هذه التدوينة سنأخذ فكرة عن إحدى هذه المحاولات التي تعني بوضع قوانين للروابط بين المكونات الموسيقية الأساسية بناء على مفاهيم المتجهات المستخدمة في الرياضيات والهندسة. لن نقوم طبعاً بالتعمق في جذور الموضوع، فهو واسع بما يكفي لملئ عدد من المجلدات، ولكني سأسعى من خلال سلسة محدودة من التدوينات من طرح الفكرة العامة وراء هذه النظرية ونقاشها بشكل مبسط ومختصر قدر الإمكان.

 

فإذا كان الجميع جاهزاً للبدء؟ فلنبدأ إذن...

 

ماهو متجه صف النغمات (Pitch Class Set)؟

 

سأسمح لنفسي أولاً بالبدء بوضع اصطلاح نظري للتعريف بهذا المفهوم، وإن كان غامضاً بعض الشيء، فالأمثلة التالية ستتكفل بتحليله وشرح مكوناته لنا. إذن ماهو متجه صف النغمات؟

 

هو متجه متعدد الأبعاد مؤلف من قيم صحيحة تمثل النغمات الموسيقية الأساسية من خلال دليلها الرقمي.

 

بناء على هذا التعريف السابق، نلاحظ أن هذا المتجه يتعامل مع النغمات الموسيقية من خلال دليلها الرقمي ليشير لها ضمن متجه رياضي، وكما هو معروف لدينا في أسس الموسيقى هناك 12 نغمة (C, C#, D,…etc) لذلك إذا أردنا ترميزها من خلال دليل رقمي فبالبداهة سيكون لدينا سلسلة من الأعداد الصحيحة من المجال 0 إلى 11، ليكون دليل النغمة الأولى C هو 0 والنغمة E هو 4 والخ...

الملاحظة الثانية في تعريف هذا المتجه هو أنه غير محدد ببعد معين، فقد يكون بثلاثة أبعاد مثلاً <3,6,9> أو بخمسة أبعاد <2,5,6,9,12> أو غير ذلك، ولكنه في كل الأحوال يبقى مقيداً بالمجال المنطقي للتطبيق الموسيقي وليس الرياضي المجرد، لذلك ليس من الوارد أن يكون عدد الأبعاد مفتوحاً كما في المتجهات الرياضية البحتة.

 

الآن وبناءً على التعريف السابق إذا قمنا بمحاولة بتشكيل متجه للنغمات C, E, G فيجب أن يكون المتجه الناتج هو <0,4,7>، عظيم جداً إلى هنا نكون قد أصبحنا قادرين على فهم مكونات هذه المتجهات ولكن ما هي الفائدة من تشكيلها عند تأليف مقطوعة موسيقية أو استنتاجها من مقطوعة ما؟؟؟

 

في الحقيقة ما تهتم به هذه النظرية هو تحديد البنية الأساسية للمقطوعة الموسيقية واستنتاج اشتقاقاتها المرتبطة بها من خلال عدد من العمليات الرياضية التي يتم تعريفها على هذه المتجهات والتي سنتعرف على أهمها في تدوينات قادمة إن شاء الله. بهذه الطريقة أصبح لدى المحللين الموسيقين أداة هامة تساعدهم في كشف الغطاء عن الأنظمة الموسيقية للمقطوعات الهامة، كما سمحت للمؤلفين بالانطلاق من بنية مترابطة تضمنها العمليات الرياضية المطبقة على المتجه دون تقييده من الناحية الإبداعية، حيث أن المؤلف مازال يملك زمام التحكم بجميع العناصر الموسيقية الأخرى.

 

هذه الخصائص الجذابة في هذه النظرية حمست الكثير من الموسيقين لتطبيقها على موسيقاهم، وبالفعل بدأ بعضهم في تشكيل متجهات للتعريف بمؤلفاتهم وتمييزها للدارسين والمهتمين بها، كنتيجة ظهرت متجهات اشتهرت بأسماء حركية لتسهيل الرجوع لها مثل المتجه <0,1,6> الذي أطلق عليه "The Viennese Trichord" بعد انتشاره عند شونبرج "Schoenberg" وتلاميذه.

 

إلى هنا نكون قد استغلينا هذه المقدمة بشكل جيد في التعريف بهذا المفهوم، في التدوينات القادمة إن شاء الله سنستكمل الموضوع بالتعرف على بعض العمليات الرياضية على هذه المتجهات مثل المعكوس (Invert)، والشكل الناظمي للمتجه (Normal Form) والشكل الأولي له (Prime Form) وغيرها إن مدّ الله بعمرنا حتى ذلك الوقت...

 

أترككم في رعاية الله...

التعليقات (3) -

  • sweet

    15/09/2009 08:27:04 م | الرد


    الله يعطيك الصحة والعافية وطول العمر،ويزيدك من علمه وتنفعنا به، الموضوع شيق جدا وبانتظار المزيد

  • وسام البهنسي

    17/09/2009 01:41:16 م | الرد

    هذا الكلام كبير Smile ويا حبذا لو ترفق لنا ملفات صوتية نسمع بها المجموعات المذكورة، خاصة بعد أن نطبق عليها العمليات الرياضية التي تحدثتَ عنها. فأنا أود أن ألمس الأبعاد النفسية لهذه العمليات (مثلاً، إن كان الـ chord حزيناً، فهل مقلوبه سعيد؟)

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  • hbahnassi

    21/09/2009 05:31:59 ص | الرد

    شكراً لكم جميعاً على تشجيعكم واهتمامكم بالموضوع... Smile

    وإن شاء الله في الأجزاء القادمة لهذا الموضوع سأحاول تسجيل بعض المقاطع الصوتية وإضافتها مقابل كل عملية للتعرف على أثر تطبيق هذه المفاهيم النظرية على الموسيقى بشكل عملي.

أضف تعليقاً

Loading